قصيدة اضحى التنائى
لابن زيدون
*****
1- أضْحى التَّنائي بديلاً من تَدانينا، ونابَ عن طيبِ لُقْيانا تَجافينا
2- ألا! وقدْ حانَ صُبْحِ البَيْنِ صَبَّحَنا
حَيْنٌ، فقامَ بِنا لِلحَيْنِ ناعينا
3- مَن مُبْلِغُ المُلْبِسينا، بانْتِزاحِهِمُ
حُزْناً، مع الدّهْرِ لا يَبْلى ويُبْلينا
4- أَنَّ الزّمانَ الذي مازالَ يُضْحِكُنا،
أُنْساً بِقُرْبِهِمُ، قد عادَ يُبْكينا
5- غِيظَ العِدا مِن تَساقينا الهوى فَدَعَوا
بأَنْ نَغَصَّ، فقال الدّهرُ آمينا
6- فانْحَلَّ ما كان مَعْقوداً بأنفسِنا،
وانْبَتَّ ما كان مَوْصولاً بأيْدينا
7- وقدْ نَكونُ، وما يُخْشى تَفَرُّقُنا،
فاليَومَ نحنُ، وما يُرْجى تَلاقينا
8- يا ليت شِعْري، ولم نُعْتِبْ أعادِيَكُمْ،
هل نالَ حظّاً من العُتْبى أَعَادينا
9- لم نَعْتَقِدْ بَعْدَكُم إلاّ الوفاءَ لَكمْ
رَأْياً، ولم نَتَقَلَّدْ غيرَهُ دِينا
10- ما حَقُّنا أن تُقِرُّوا عينَ ذي حَسَدٍ
بِنا، ولا أن تُسِرُّوا كاشِحاً فينا
11- كُنّا نَرى اليأسَ تُسْلينا عَوارِضُهُ،
وقد يئِسْنا فما لليأسِ يُغْرينا
12- بنْتُمْ وبِنّا، فما ابْتَلَّتْ جَوانِحُنا
شوقاً إلَيْكُمْ، ولا جَفَّتْ مآقينا
13- نَكادُ حينَ تُناجيكُمْ ضَمائرُنا،
يَقْضي علينا الأسى لولا تَأَسِّينا
14- حالَتْ لِفَقْدِكُمُ أيّامنا، فغَدَتْ
سوداً، وكانت بكمْ بِيضاً ليالينا
15- إذ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تَألُّفِنا،
ومَرْبَعُ اللَّهْوِ صافٍ مِن تَصافِينا
16- وإذ هَصَرْنا فُنونَ الوَصْلِ دانِيَةً
قِطافُها، فَجَنَيْنا منهُ ما شِينا
17- ليُسْقَ عَهْدُكُمُ عَهْدُ السُّرورِ فما
كُنْتُمْ لأَرْواحِنا إلاّ رَياحينا
18- لا تَحْسَبوا نَأْيَكُمْ عَنَّا يُغَيِّرُنا،
أنْ طالما غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينا!
19- واللهِ ما طَلَبَتْ أَهْواؤنا بَدَلاً
مِنْكُمْ، ولا انْصَرَفَتْ عَنْكُمْ أمانينا
20- يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القَصْرَ واسْقِ بِهِ
مَن كان صِرْفَ الهوى والوُدِّ يَسْقينا
21- واسْألْ هُنالِكَ: هَلْ عَنّى تَذَكُّرُنا
إلْفاً، تَذَكُّرُهُ أمسى يُعَنِّينا
22- ويا نَسيمَ الصَّبا بَلِّغْ تَحِيَّتَنا
من لو على البُعْدِ حَيَّا كان يُحْيينا
23- فهل أرى الدّهرَ يَقْضينا مُساعَفَةً
مِنْهُ، وإنْ لم يَكُنْ غِبّاً تَقَاضِينا
24- رَبِيْبُ مُلْكٍ كأَنَّ اللهَ أنْشأَهُ
مِسْكاً، وقدَّرَ إنْشاءَ الوَرَى طِينا
25- أو صاغَهُ وَرِقاً مَحْضاً، وتَوَّجَهُ
مِن ناصِعِ التِّبْرِ إبْداعاً وتَحْسينا
26- إذا تَأَوَّدَ آدَتْهُ، رَفاهِيَةً،
تُومُ العُقودِ، وأَدْمَتْهُ البُرَى لينا
27- كانتْ لهُ الشّمسُ ظِئْراً في أَكِلَّتِهِ،
بلْ ما تَجَلَّى لها إلا أَحايِينا
28- كأنّما أُثْبِتَتْ، في صَحْنِ وَجْنَتِهِ،
زُهْرُ الكواكِبِ تَعْويذاً وتَزْيِينا
29- ما ضَرَّ أن لم تَكُنْ أكْفاءَهُ شَرَفا،ً
وفي المَوَدَّةِ كافٍ من تَكافينا؟
30- يا رَوْضَةً طالما أَجْنَتْ لواحِظَنا
وَرْداً، جَلاهُ الصِّبا غَضّاً، ونِسْرينا
31- ويا حَياةً تَمَلَّيْنا، بزَهْرَتِها،
مُنىً ضُروباً، ولذّاتٍ أَفَانِينا
32- ويا نَعيماً خَطَرْنا، مِن غَضارَتِهِ،
في وَشْيِ نُعْمى، سَحَبْنا ذَيْلَهُ حينا
33- لَسْنا نُسَمّيكَ إجْلالاً وتَكْرُمَةً،
وقَدْرُكَ المُعْتَلي عنْ ذاكَ يُغْنينا
34- إذا انْفَردْتَ وما شُورِكْتَ في صِفَةٍ
فَحَسْبُنا الوَصْفُ إيْضاحاً وتَبْيينا
35- يا جَنّةَ الخُلْدِ أُبْدِلْنا، بسِدْرَتها
والكَوْثَرِ العَذْبِ، زَقُّوماً وغِسْلينا
36- كأنّنا لم نَبِتْ، والوَصْلُ ثالِثُنا،
والسَّعْدُ قد غَضَّ مِن أَجْفانِ واشِينا
37- إن كان قد عَزَّ في الدّنيا اللّقاءُ بِكُمْ
في مَوقِفِ الحَشْرِ نَلْقاكُمْ وتَلْقُونا
38- سِرَّانِ في الخاطِرِ الظَّلْماءِ يَكْتُمُنا،
حتى يَكادَ لِسانُ الصّبْحِ يُفْشينا
39- لا غَرْوَ في أنْ ذَكَرْنا الحُزْنَ حينَ نَهَتْ
عَنْهُ النُّهى، وتَرَكْنا الصَّبْرَ ناسينا
40- إنّا قَرَأْنا الأسى، يومَ النَّوى، سُوَراً
مكتوبَةً، وأَخَذْنا الصَّبْرَ تَلْقينا
41- أما هَواكَ، فَلَمْ نَعْدِلْ بِمَنْهَلِهِ
شُرْباً وإن كانَ يُرْوينا فَيُظْمينا
42- لم نَجْفُ أُفْقَ جَمالٍ أنتَ كوكَبُهُ
سَالِينَ عَنْهُ، ولم نَهْجُرْهُ قالينا
43- ولا اخْتِياراً تجنَّبْناهُ عن كَثَبٍ،
لكن عَدَتْنا على كُرْهٍ، عَوَادينا
44- نَأْسى عَلَيْكَ إذا حُثَّتْ، مُشَعْشَعَةً
فينا الشَّمولُ، وغَنَّانا مُغَنِّينا
45- لا أكْؤُسُ الرَّاحِ تُبْدي مِن شَمائلِنا
سيما ارتِياحٍ، ولا الأَوْتارُ تُلْهِينا
46- دُومي على العَهْدِ، ما دُمْنا، مُحافِظَةً
فالحُرُّ مَن دانَ إنصافاً كما دِينا
47- فما اسْتَعَضْنا خَليلاً مِنْكِ يَحْبِسُنا
ولا اسْتَفَدْنا حَبيباً عنْكِ يَثْنينا
48- ولو صَبا نَحْوَنا، مِن عُلْوِ مَطْلَعِهِ،
بَدْرُ الدُّجى لم يَكُنْ حاشاكِ يُصْبِينا
49- أبْكي وَفاءً، وإن لم تَبْذُلي صِلَةً،
فالطَّيْفُ يُقْنِعُنا، والذِّكْرُ يَكْفينا
50- وفي الجَوابِ مَتاعٌ، إن شَفَعْتِ بِهِ
بِيضَ الأَيَادي، التي مازِلْتِ تُولِينا
51- عـليــْكِ مِنـّا سَــــلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ
صَبابَةٌ بــــــِكِ نُخْفيـها، فَتُخْفيـنا
********************************************
تحميل مجانى :
http://www.ziddu.com/download/5144275/ديوان بن زيدون.pdf.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق