الخميس، نوفمبر 26، 2009

قصيدة فهم في بطون الأرض لعلى بن الحسين

قصيدة فهم في بطون الأرض لعلى بن الحسين
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها
محاسنهم فيها بوال دوائر
خَلَت دورهم منهم وأقوت عراصهُم
وساقتهُمُ نحو المنايا المقادرُ
وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها
وضَمّهُمُ تحت التراب الحفائر
وأنت على الدنيا مكبّ منافسٌ
لخُطّابها فيها حريصٌ مكاثر
على خطرٍ تمسي وتصبح لاهباً
أتدري بماذا لو عقلت تخاطرُ
وإن امرءاً يسعى لدنياهُ دائباً
ويذهلُ عن أخراهُ لا شكّ خاسرُ
وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى
عن اللهو واللّذاتِ للمرء زاجر
أبعد اقتراب الأربعين ترَبُّصٌ
وشيبُ قذال منذر لك ظاهر
كأنّك معنيٌّ بما هو ضائرٌ
لنفسك عمدا وعن الرشد جائرُ
أمسوا رميماً في التراب وعطّلت
مجالسهُم منهم وأخلى مقاصرُ
وحلوا بدار لا تزاور بينهُم
وأنّى لسكّان القبور التزاورُ
فما أن ترى إلّا قبوراً ثووا بها
مسطّحةً تسفي عليها الأعاصرُ
فما صرفت كفّ المنية إذ أتت
مبادرة تهوي إليها الذخائر
ولا دفعت عنك الحصون التي بنى
وحفّ بها أنهارهُ والدساكر
ولا قارعت عنك المنية حيلةٌ
ولا طمعت في الذبّ عنه العساكرُ
مليكٌ عزيزٌ لا يردّ قضاؤه
حكيمٌ عليمٌ نافذُ الأمرِ قاهر
عنى كل ذي عزّ لعزّه وجهه
فكم من عزيز للمهيمنِ صاغرُ
لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت
لعزّة ذي العرش الملوكُ الجبابر
وفي دون ما عاينت من فجعاتِها
إلى دفعها داع وبالزهد آمرُ
فجُدّ ولا تغفل وكن متيقظاً
فعمّا قليل بترك الدار عامر
فشمّر ولا تفتر فعمرك زائلٌ
وأنت على دار الإقامة صائر
ولا تطلب الدنيا فإن نعيمها
وإن نلت منها غبّه لك ضائر
ألا لا ولكنّا نغــرّ نفوســـنا
وتشغـلنا اللّذاتُ عمـا نحــاذرُ
وكيف يلَذّ العيش من هو موقفٌ
بموقف عدل يوم تبلى السرائرُ
كأنّا نـرى أن لا نشور وأنّنا
صدىً ما لنا بعد الممات مصادر
أما قد نرى في كل يوم وليلة
يـروح علينا صرفهـا ويبـاكـرُ
تعـاورنـا آفـاتـها وهـمومهـا
وكم قد ترى يبقى لها المتعاورُ
فلا هـو مغبوط بدنياه آمنٌ
ولا هو عن تطلابها النفسَ قاصرُ
بـل أوردتـهُ بعد عزّ ومنعـةٍ
مـوارد سـوء ما لهـنّ مصـادر
فلمـّا رأى أن لا نجـاة وأنّــه
هو الموت لا ينجيه منه التحاذرُ
تندّم إذ لم تغنِ عنه ندامةٌ
عليـه وأبكتـهُ الذنوب الكبائـرُ
أحاطت به أحزانه وهمومُهُ
وأبلـسَ لمـا أعجزتـهُ المقـادرُ
فليسَ له من كربةِ الموت فارجٌ
وليـس لـه ممّا يحـاذرُ ناصرُ
وقد جشأت خوفَ المنيّة نفسهُ
يردّدهـا بين اللهاة الحناجرُ
فكم موجع يبكي عليه مفجّع
ومستنجد صبراً وما هو صابرُ
ومسترجع داع له اللّه مخلصا
يعدّد منه كلّ ما هـو ذاكر
وكم شامت مستبشر بوفاتهِ
وعمّا قليل للّذي صار صائرُ
وحلّ أحبّ القوم كان بقربـهِ
يحـثّ علـى تجهيزه ويبـادرُ
وشمّر من قد أحضروه لغسلهِ
ووجّه لما فـاض للقبـر حافـرُ
وكفّن في ثوبين واجتمعت له
مشيّعـةٌ إخوانـهُ والعشــائـر
لعاينت من قبح المنيّة منظراً
يهـالُ لمـرآهُ ويرتـاع ناظـرُ
أكابرُ أولاد يهيج اكتئابهُم
إذا ما تناساه البنون الأصاغرُ
ورنّـة نسـوان عليـه جـوازعٌ
مدامعهم فوق الخدود غوازرُ
فوَلّوا عليه معولين وكلّهُم
لمثل الذي لاقى أخوه محاذرُ
كشــاءٍ رتـاع آمنين بـدا لهـا
بمديتهِ بادي الذراعينِ حاسرُ
فريعت ولم ترتع قليلاً وأجفلت
فلمّا نأى عنها الذي هو جازرُ
ثوى مفرداً في لحده وتوزّعَت
مواريثـهُ أولادهُ والأصـاهـرُ
وأحنوا على أمواله يقسِمونها
فلا حامدٌ منهم عليها وشاكرُ
فيا عامر الدنيا ويا ساعيا لها
ويا آمناً من أن تدور الدوائرُ
ولم تتزَوّد للرّحيل وقد دنا
وأنت على حال وشيكٍ مسافرُ
فيا لهف نفسي كم أسوّف توبتي
وعمريَ فانٍ والرّدى لي ناظرُ
وكلّ الذي أسلفتُ في الصحف مثبتٌ
يُجازي عليه عادل الحكم قادر
تخرّبُ ما يبقى وتعمر فانياً
فلا ذاك موفورٌ ولا ذاك عابرُ
وهل لك إن وافاك حتفُك بغتةً
ولم تكتسب خيرا لدى اللّه عاذرُ
أترضى بأن تفنى الحياةُ وتنقضي
ودينكَ منقوصٌ ومالك وافرُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق